حسب منظمة الصحة العالمية، من وسط كل 100 ألف شخص، فيه 4 بينتحروا في الدول العربية، أعمارهم بتكون بين 15 و29 سنة. في القائمة اللي نشرتها المنظمة، اتصدرت السودان القائمة بنسبة 16.44%، بعدها المغرب بمعدل 5.32%، وقطر بـ4.31%، وجت السعودية وسوريا في آخر القائمة. لو فكرنا في تعريف الانتحار العلمي، هنلاقي إن العالم الاجتماعي إميل دوركايم عرف الانتحار في كتابه المعنون بنفس الكلمة، بإنه: "كل أشكال الموت الذي ينتج مباشرة أو غير مباشرة عن تصرف سلبي تقترفه الضحية وهي تعرف النتيجة سلفًا". وبيكمِّل: "هو ليس تصرفًا عبثيًا أو لحظة تخلِ أو نتيجة مس شيطاني".

رغم إننا في 2018 لسه بيطلع ناس تتهم أصحاب الميول الانتحارية بالضعف أو بالكفر، رغم وجود شيوخ أزهريين أفتوا إن المنتحر آثم مش كافر.

سبتمبر هو شهر التوعية للحد من الانتحار، والنهاردة 10 سبتمبر هو اليوم العالمي للتوعية ضد الانتحار اللي تم إطلاقه من الرابطة الدولية وأقرتها منظمة الصحة العالمية سنة 2003. كل سنة فيه من 800 ألف لمليون شخص بيموتوا منتحرين، بمعدل شخص كل 40 ثانية، وحوالي 10 مليون محاولة انتحار فاشلة، و25% من سكان العالم أصحاب ميول انتحارية.

لو تعرف حد عنده ميول انتحارية ممكن تقدم له إيه؟ هو محتاج مساعدة شكلها إيه؟ ووجودك في محيطه هيأثر عليك نفسيًا بشكل عامل ازاي؟ اتكلمنا مع أصحاب ميول انتحارية، أشخاص حاولوا الانتحار، وأشخاص فقدوا حبايبهم بسبب الانتحار، عشان نقرب من الصورة أكتر.

محاولة انتحار "آ.ص" كانت وهي عندها 18 سنة، وحصلت بسبب علاقة عاطفية فاشلة. بتقول عن تجربتها الوحيدة: "ماكنتش عارفة لمَّا أنقذوني المفروض استنى دعم إيه ومن مين، بس كل اللي لقيته كان غضب، ووقتها حسيت إن دي آخر حاجة أنا مستنياها".  وقتها أصدقاء قطعوا علاقتهم بيها لغضبهم من فكرة إنها قررت تنهي حياتها، "كانوا بيقولوا ده حب ليّا، كتير كنت بسمع جملة بلاش نتكلم في الموضوع ده أحسن، حسيت إني غلطت في حقهم هما في الوقت اللي أنا ماكنتش شايفة فيه حق نفسي أساسًا".

بتكمِّل وتقول: "في البداية قابلت غضبهم بالسكوت، وبعدها بفترة مش قليلة أدركت إنهم بدل ما يقدموا لي دعم سحبوا من طاقتي وحسسوني إني مذنبة وإنهم مانعين عني غضبهم، فقطعت علاقتي بيهم تدريجيًا". دلوقتي "آ.ص" قادرة تشوف الموضوع من ناحيتهم، خاصةً في ظل نقص المعلومات المتاحة عن الانتحار وكيفية التعامل معاه، "بدل ما أغضب من رد فعلهم بقيت أشوف عندهم مشكلة في التعبير عن حبهم وخوفهم عليّا، المشكلة مش في إنهم مش عايزين يحموني، لكن في إنهم فاهمين الحب والحماية غلط، وطبعًا فاهمين الانتحار غلط وبيعتبروه ضغف واختيار، اللي مايعرفوهوش إن المقبل على الانتحار مابيبقاش شايف أي خيارات".

**إن الحزن يدوم إلى الأبد** فان جوخ، مساء الأحد 27 يوليو 1890 قبل ساعات من انتحاره. 

ردود الأفعال غير المتفهمة لتجربة الانتحار ومعاني فقدان الغاية والبوصلة، قابلت "ر.ع" برضه لمَّا حاولت تنتحر، بتقول: "اللي أنقذني من التجربة دي هي ستر ربنا وبس". لمَّا سألتها عن الجمل اللي أثرت فيها وساعدتها تتعافى قالت: "افتكر مافيش جملة، كل الجمل كانت بتزيدني غضب". طب إيه مثلها الرادع؟ بتجاوب: "إحساس إني ما استحقش ده، كنت ببقى على شفا حفرة وبينقذني منها ستر ربنا بس، مش كلام ولا مساعدة حد".

الاحصائيات الموثقة لمنظمة الصحة العالمية بتقول إن سنة 2015 مصر وصلت للمرتبة 167، بعد ما كانت بتُصنف سنة 2012 بإنها من أقل الدول في معدلات الانتحار، بأقل من خمس حالات بين كل 100 ألف فرد. وعلى الرغم من الصورة النمطية عن إن الرجالة قلبهم أقوى ومشاعرهم أقل من النساء، الدراسات العلمية أثبتت إن معدل الرجالة اللي بيتوفوا منتحرين أكتر من الستات 4 مرات، خصوصًا في فترة منتصف العمر.

**الحياة لا تحتمل، سامحونى** داليدا، سنة 1986 قبل انتحارها.

الستات اللي قرروا ينتحروا بيميلوا لاستخدام وسائل غير عنيفة، زي جرعات الأدوية الزائدة. على عكس الرجالة اللي بيستخدموا الأسلحة النارية أو الشنق. في المملكة المتحدة مثلًا 58% من حالات انتحار الرجالة كانت عن طريق الشنق والخنق. ونسبة الستات اللي انتحروا بالسم كانت 43%، مقارنة بـ 20% للرجالة.

الأيام اللي بتضلم وبتتمكن منك الأسئلة كتير. أنا عايش ليه؟ آخرة كل ده إيه؟ وجودي فارق في إيه؟ أنا ترس في ماكينة ولا ليا تأثير؟ أنا جرم صغير ولا بداخلي أنطوى العالم الأكبر؟ الأسئلة دي وكتير غيرها داخلنا طول الوقت باختلاف النسب، وباختلاف طبيعة الأشخاص وصفاتهم الوراثية، وهل التاريخ الأسري فيه حوادث انتحار ولا لأ ودرجة استعداد كل شخص للانتحار. ازاي وجود شخص صاحب ميول انتحارية عالية في محيطك ممكن يآثر عليك؟

بتقول "ر.س" إنها صديقتها المقربة عندها ميول انتحارية وكانت ظاهرة عليها رغم عدم تصريحها بيها بشكل مباشر غير مرَّة، "طول الوقت كلامها لما بتتعصب أو بتضايق أو بتتصل تعيط ده بيبقى مستفز بالنسبالي، بس بضطر استحمله عشان بخاف تعمل في نفسها حاجة". لمَّا سألتها ليه بتبقى شايفة مشاعر صاحبتها شئ مستفز، قالت: "عشان هي بتبقى في اللحظة دي بعيد مش جنبي، صوتها في التليفون بيبقى بيقطع فيا بجد وبيضايقني بشكل مش طبيعي لإنها مش جنبي ومش قادرة أعملها حاجة وكمان خايفة تعمل في نفسها حاجة، فبيبقى الوجع مضاعف عليا وببقى حاسة إن أنا اللي عايزة أقوم انتحر".

"ر.س" ممكن تكون واحدة من الناس اللي مشاعر خوفهم على الشخص صاحب الميول الانتحارية مابتطلعش بالشكل الواضح، بس هي بتكمل وتقول: "لمَّا بكلمها في إحساسي ودرجة خوفي عليها بيجليها anxiety attacks بالعياط والانهيار وبقية الأعراض، وساعتها بيبقى مافيش حد تكلمه غيري. فبقول طيب الحمدلله إنها بتكلمني أنا في اللحظة دي وبحاول أهديها أو أبقى جنبها على قد ما أقدر، بس مرَّة مثلا قفلت في وشها السكة، ماكنتش قادرة أستحمل وفقدت أعصابي".

**عيد ميلاد سعيد آنسة زيلدا، اليوم تكملين ربع قرن من عمرك، لكنك ستظلين طفلتى، أحبك** رسالة روبن وليامز لبنته يوم عيد ميلادها وقبل انتحاره بأيام.

حسب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية 90% على الأقل من اللي بيتوفوا بسبب الانتحار كانوا بيعانوا من اضطرابات نفسية زي الاكتئاب، اضطراب ثنائي القطب، الفصام (شيزوفرينيا)، بالإضافة للإدمان بأنواعه.

"ع.ك" بيحكي عن صديقه الوحيد اللي حاول ينتحر، "كان بره البلد بيدرس وعرفت منه شخصيًا إنه حاول ومش عارف يطلع الفكرة من دماغه". عن طريق دكتورة في الجامعة كانت بتطلب من "ع" وزمايله ياخدوا بالهم وهما بيتكلموا عن مواضيع معينة، منها الانتحار. وعن طريقها وصل لأرقام ناس وأماكن ممكن تساعد صديقه. بس بسبب بعد المسافة حس "ع.ك" إن خياراته محدودة، بيقول: "حاولت قد ما أقدر بسبب سفره ماكنش في كتير أقدر أعمله من هنا، ودي كانت أصعب حاجة. في الآخر أقنعناه إن رجوعه مش اختياري وإن وجوده من غير دعم نفسي هناك بيدمره أكتر".

فيه خط رفيع بين إنك تخرَّج حد من دايرة الميول الانتحارية، وبين إنه يدخَّلك جواها. بيقول "ع.ك": "من أصعب الحاجات في الدنيا إنك تقعد مع حد بتحبه في المكان ده، لإنه هيحاول يقنعك بكل الطرق إن ده الحل الوحيد وكتير هتبقى في خطر حقيقي إنك تصدق ده". ازاي بيتعامل "ع" مع ده؟ بيقول إن السؤال مايكونش "أنا هانتحر ولا لأ" لأن ده أمر مفروغ منه و يكون "طب هانعمل إيه؟".

"ج.إ" كان عندها تخوفات من نفس النقطة، بتقول "كشخص عنده ميول انتحارية ومشاكل نفسية، أكيد طبعًا اتأثرت أنا بيهم، ده كان في الأول بس. بعدها حسيت إن محاولات الدعم اللي بقدمهالهم بتترد ليا أنا كمان". بتشرح لنا أكتر،  "لو حد اتحسن بسبب أي دعم قدمتهوله لو دا خلص لي بطاريتي، أول ما بشوفه بيتحسن فعلًا باتحسن أنا كمان لمجرد شوفته بيتحسن". وقتها عرفت "ج" إن مساعدتهم من مساعدتي لنفسي أصلًا.

**لدى إحساس عميق بأننى لست حقيقة تمامًا، بل إننى زيف مفتعل ومصنوع بمهارة وكل إنسان يحس فى هذا العالم بهذا الإحساس بين وقت وآخر، ولكنى أعيش هذا الاحساس طيلة الوقت، بل أظن أحيانا أننى لست إلا إنتاجًا سينمائيًا فنيًا أتقنوا صُنعه** مارلين مونورو في أغسطس 1962 قبل انتحارها.

الأمانة العامة للصحة النفسية عندها خط ساخن ممكن تتصل بيه كل يوم من الأحد للخميس، من ١٢ الظهر لـ ٤ عصرًا، وهيرد عليك أخصائي في الطب النفسي.
الرقم: ٠٨٠٠٨٨٨٠٧٠٠